ولادة بالإستعانة بمكالمة فيديو | ممرض شاب يُنقذ أمًا وسط سيول تنغير

ياسين بن رمضان14 أبريل 2025Last Update :
ولادة بالإستعانة بمكالمة فيديو | ممرض شاب يُنقذ أمًا وسط سيول تنغير
جرسيف زووم | متابعة

في واحدة من صور التضحية والإخلاص التي غالبا ما تمر في صمت، سجل الممرض إلياس الشتيوي، حديث العهد بالمركز الصحي آيت حمو وسعيد (إقليم تنغير)، تدخلا إنسانيا نادرا أنقذ من خلاله حياة سيدة حامل ومولودتها، في منطقة نائية تابعة لإقليم تنغير، بعد أن وجد نفسه وحيدا في مواجهة وضع صحي طارئ وسط ظروف طبيعية قاسية وعزلة شبه تامة.

بدأت تفاصيل الواقعة حين استدعي الممرض إلياس، بعد زوال أمس الأحد، على وجه السرعة إلى منزل سيدة داهمها المخاض في دوار جبلي معزول، في وقت كانت فيه السيول قد قطعت الطرق والمسالك المؤدية إلى أقرب مؤسسة صحية مجهزة.

وبعد محاولات أولية لتقديم المساعدة، تبين أن حالة الحامل معقدة وتستدعي تدخلا متخصصا يتجاوز حدود تكوينه كممرض عام، ما دفعه إلى محاولة نقلها إلى مستشفى القرب ببومالن دادس حيث توجد قابلات مختصات.

لكن الطبيعة كان لها رأي آخر، إذ حالت السيول المتدفقة والعزلة الجغرافية دون أي إمكانية للوصول إلى المستشفى. أمام هذا الوضع الحرج، لم يكن أمام الممرض الشاب سوى خيار واحد، وهو التدخل بكل ما أوتي من معرفة، مستعينا بتقنيات التواصل الحديثة، حيث ربط اتصالا مرئيا مباشرا مع قابلات بالمستشفى الإقليمي بتنغير، وقابلة أخرى بالمركز الصحي بأمسمرير، وبتنسيق مكثف معهن، شرع في تنفيذ عملية التوليد.

وكشف عدد من الممرضين بإقليم تنغير أنه رغم صعوبة الوضع، وغياب التجهيزات الكافية، والضغط النفسي الكبير، استمرت المحاولة لأكثر من ساعة، تكللت في النهاية بولادة طفلة في صحة جيدة حوالي الساعة السادسة والنصف مساء. ولم يتوقف مجهود الممرض عند هذا الحد، بل واصل مراقبة الأم والمولودة عن قرب إلى حين تحسن الأحوال الجوية وتوفير وسيلة آمنة لنقلهما إلى مرفق صحي لاستكمال الرعاية الطبية اللازمة.

ما يضفي بعدا إنسانيا أعمق على هذا التدخل، هو أن الممرض إلياس لا يتقن اللغة الأمازيغية، اللغة الوحيدة التي تتحدث بها السيدة الحامل، مما فرض عليه الاعتماد على لغة الإشارة للتواصل معها طيلة فترة المخاض والتوليد، وهو “ما يعكس قدرة استثنائية على التكيف والذكاء العاطفي المهني في ظرفية شديدة التعقيد”، يقول أحد الممرضين في تصريح لهسبريس.

وأضاف المتحدث ذاته أن هذا التدخل ليس فقط إنقاذا لحياة أم وطفلتها، بل “شهادة حية على حجم التحديات التي يواجهها مهنيو الصحة في المناطق الجبلية والنائية، حيث يضطرون في كثير من الأحيان إلى اتخاذ قرارات مصيرية في غياب الموارد والوسائل، وتحت ضغط الزمن والمكان”.

وقد لقيت هذه المبادرة استحسانا واسعا داخل الأوساط الصحية والحقوقية محليا، وفتحت من جديد النقاش حول ضرورة دعم البنية التحتية الصحية بالمجالات القروية، وتوفير التكوين المستمر والتجهيزات الضرورية للممرضين والممرضات الذين يوجدون في الخط الأمامي لمواجهة حالات طبية حرجة، كثيرًا ما تقرر فيها الدقيقة مصير حياة كاملة.

إلياس الشتيوي، ممرض شاب، لكنه في نظر سكان دوار آيت حمو وسعيد بات رمزا للرجولة والمهنية، ووجها من وجوه الكرامة الإنسانية في مغرب الهامش، حيث إن حدثا كهذا يستحق أن يروى، لا فقط لتمجيد صاحبه، بل لتسليط الضوء على واقع يعيشه مئات من مهنيي الصحة يوميا في صمت، بعيدا عن عدسات الكاميرات.

 

Source : هسبريس
Breaking News

We use cookies to personalize content and ads , to provide social media features and to analyze our traffic...Learn More

Accept