في مدينة تغيب عنها الشمس منذ مدة طويلة، أصبح شبح الانتحار يخيم على سماء جرسيف ويجثم على نفوس ساكنة يشعر جزء كبير منها بعدم الرضا عن الحياة مما دفع بالعشرات الى السقوط كفريسة سهلة بين ايدي الاكتئاب الذي يعد سببا كافيا لتبني فلسفة البير كانو العبثية بفصل الروح عن الجسد سواء عبر الشنق او القاء النفس من علو شاهق واذا استدعى الامر تناول مواد قاتلة وفي ذلك يتفنن الجرسفيون .
في جرسيف جو ممزوج بالعتمة تحير الزائرين الذين أصبحوا يخشون الاصابة بداء الاكتئاب قبل ان ينصرفوا ، فلعنة الموت في كل مكان وعناوين الانتحار تعتلي صفحات الجرائد الورقية منها والالكترونية ، بل أضحت الظاهرة حديث المقاهي الشاهد الوحيد عن خبايا نفوس جرسيفيين خطت قسمات وجوههم علل المعاناة .
في جرسيف ( مدينة المنتحرين ) لم يعد يفصلها سوى حالات قليلة كي تسحب البساط من تحت اقدام “عاصمة الانتحار “شفشاون، التي تسجل اعلى معدلات الانتحار السنوي وطنيا ، فمدينة بين الوادين ماضية في تحطيم الارقام القياسية في حالات الانتحار من مختلف الفئات العمرية ذكورا واناثا ، آخرها تسجيل 3 حالات انتحار في يوم واحد ( 30 غشت) ، بعد اقدام فتاة قاصر على وضع حد لحياتها بحي حمرية اثر تناولها مواد سامة قبل ان يهتز نفس الحي على انتحار ام لطفلين بنفس الطريقة ، فيما أصر رجل خمسيني على ان يتم طقس القرابين بتناوله “الماء القاطع”.
في جرسيف وبالرغم من غياب أرقام رسمية ، الا ان هناك تطبيع مع الانتحار في المدينة والاقليم إذ أضحى سماع خبر انتحار شخص ما كأنه أمر عادي ، حيث ان اخبار الانتحار تتناسل و تتوالى بشكل يومي ، فالظاهرة في تفاقم مستمر تتجدد أسبابها ودوافعها باستمرار، وتتأثر تحديدا بالظروف الاقتصادية والنفسية والاجتماعية والتي ازدادت حدتها بالقدر الذي أضحى يستدعي تدخلا عاجلا ، بغية رصد الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات نفسية أو عصبية تستدعي العلاج، أو الذين يمرون بظروف أسرية قاسية، أو تعرضوا لأزمات اجتماعية أو غيرها من باب التدخل الاستباقي .
في جرسيف لا أحد من المسؤولين يحرك ساكنا، رغم ان ناقوس الخطر قد دق ، فالتفاعل مع الساكنة وفعاليات المجتمع المدني أضحى ضرورة مستعجلة لإثارة الانتباه بأن هناك مشكل خطير يهدد السلم الاجتماعي قبل ان تتفاقم الأرقام وتحول جرسيف من عاصمة للزيتون الى غابة “أوكيغاهارا اليابانية “