وقبل أقل من سنة، فاجأت الحاجة الحمداوية جمهورها بإعلانها الاعتزال، بعد مسار فني جاوز السبعين سنة، مانحة حقوق تأدية جميع أغانيها للفنانة المغربية كزّينة عويطة، ابنة العداء المغربي البارز سعيد اعويطة، التي تربطها بعائلتها علاقة صداقة وثيقة.

ومع مرور السنوات، صار اسم الحمداوية مرتبطا بـ”العيطة” و”الشعبي”، اللذين حافظت على الريادة فيهما على مدار الأجيال، بأغان مثل “هزو بينا العلام” و”منين أنا ومنين انت”.

كما شاركت الحاجة الحمداوية، في سنوات شبابها، زمن الاستعمار، في تعبيرات فنية تغازل مشاعر الوطنيين وتتبنّى أطروحاتهم؛ وهو ما لَم تسلم على إثره من بطش المستعمر الفرنسي.

ولَم يقتصر حضور الحاجة الحمداوية في الذاكرة الشعبية بوصفها مغنية لفن “العيطة”، بل أيضا بوصفها عمودا من أعمدة الغناء الشعبي، وأحد الوجوه البارزة، دائمة الحضور، في المشهد الفني المغربي.

وفي تعبيرات شبابية على وجه الخصوص، على وسائل التواصل الاجتماعي، صارت كلمات بعض أغاني الحاجة الحمداوية تساق للتعبير عن قيم مجتمعية مثل “ترك المرء ما لا يعنيه”، وضرورة “اهتمام الإنسان بما يَخُصُّه”، وما سيكون لذلك من انعكاس إيجابي على صحته وطول عمره، مثل ما غنته الحمداوية: “أنا بعدا حاضية البحر لا يرحل”.

كما يحضر الاستشهاد، في تعبيرات شابة على مواقع التواصل الاجتماعي، بكلمات وردت في أغان لها، من قبيل: “إذا خْيَابْت دابا تْزْيان”، “أي إذا ساءت الأحوال سوف تحسن (ضرورة)”.

ولَم تحافظ الحاجة الحمداوية على ريبرتوارها الفني كاملا، حيث تخلت عن أداء أغان، سبق أن غنّتها وهي شابة، ولَم تعد تذكر في الحفلات كجزء من منجزها الغنائي.

ولم يتوقف حضور اسم الحاجة الحمداوية، بعد اعتزالها صيف السنة الماضية؛ بل كانت ضمن فنانين مغاربة وقعوا على بيان مدافع عن “مؤسسات الدولة”، ردا على بيان “هذا الظل هنا” الذي انتقد فيه فنانون مغاربة الوضع الحقوقي بالبلاد.

وفي نهاية مسارها الفني، قلَّما ما ذُكِر عطاء الراحلة الحاجة الحمداوية في مجال فن العَيْطَة الشعبي، دون وصفها بـ”ملكة العيطة”، أو “حاملة مشعل العيطة”، أو “أيقونة العيطة”.